تحريم الوطء في المحيض
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين)[سورة البقرة : 222].
المحيض لغة : السيلان، يقلان حاض السيل وفاض. وهو شرعاً دم فاسد يخرج من أقصى رحم المرأة أياماً من كل شهر.
ويفسر طبياً بأنه نزف غريزي (فيزيولوجي) يحصل نتيجة تنخر بطانة رحم المرأة في نهاية الدورة الطمثية عندها.
عن أنس بن مالك أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلواها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل الأصحاب، النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ...) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اصنعوا كل شيء إلا النكاح". وفي رواية إلا الجماع[1].
لقد اختلفت الناس منذ القديم في مواقفهم حيال المرأة وقت حيضها.
وشدد اليهود في وجوب اعتزالها واعتبروا أن من مسها كان نجساً، وكانوا يعتزلونها في المأكل والمشرب والفراش.
كما أن المجوس والعرب في جاهليتهم كانوا لا يساكنوا الحائض ولا يؤاكلونها.
في حين كانت النصارى تتهاون في أمر الحيض فلا تفرق بين الحيض والطهر لا في الجماع ولا في غيره.
وجاء الإسلام بالاعتدال ونزلت الآية الكريمة فوضعت الأمور في نصابها بميزات مصلحة الفرد والمجتمع، فقرر أن الحيض ضرر وأذىّ للرجل والمرأة على السواء لكنه في نفس الوقت كرم المرأة على السواء لكنه في نفس الوقت كرم المرأة، فلم يجعلها نجسة ولا مستقذرة.
وجاءت السنة النبوية على لسان محمد صلى الله عليه وسلم : معلم الناس الخير، لتوضح أن الاعتزال إنما يكون لموضع الأذى دون غيره وبين للناس أن عاشروا أزواجكم واصنعوا كل شيء إلا الجماع.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في " .رواه مسلم.
وعن عبد الله بن سعد قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض فقال: واكلها"[2] .
وقد دلت الآية على وجوب اعتزال المرأة في المحيض فقوله تعالى : (فاعتزلوا النساء في المحيض).
أمر، والأمر يقتضي الوجوب.. وعلى تحريم وطء الحائض إجماع علماء المسلمين ومستحله كافر..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى حائضاً في فرجها أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد "[3].
والنفساء كالحائض وإن جامع الرجل زوجته الحائض، عالماً بالحيض وبالتحريم، لكنه غير مستحل له، مختاراً غير مكره، فقد أترتكب معصية كبيرة ويجب عليه التوبة.
ويسن له أن يتصدق بدينار إن وطئها في إقبال الدم وبنصف دينار في إدباره لما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا واقع الرجل أهله وهي حائض، إن كان دماً أحمراً فليتصدق بدينار وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار"[4].
وغير المستحل، إن كان ناسياً أو جاهلاً لوجود الحيض أو جاهلاً لتحريمه أو مكرهاً فلا إثم عليه ولا كفارة[5].
أما مباشرة الرجل زوجته من فوق الإزار وهي حائض والاستمتاع بمداعبتها من فوق السرة وما تحت الركبة فهو مباح باتفاق العلماء لما صح من فعله عليه الصلاة والسلام .
فعن ميمونة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض .
وفي رواية : كان يباشر نسائه فوق الإزار وهن حيض [6].
ولما ورد عن حكيم بن حزام عن عمه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال : لك ما فوق الإزار" رواه أبو داود .
ولمفهوم اعتزال النساء في المحيض قولان مشهوران عند العلماء المسلمين : الأول لابن حنبل والأوزاعي وعكرمة ومحمد بن الحسن، وهؤلاء يرون أنه يجب اعتزال موضع الأذى وهو مخرج الدم، ويحرمون بذلك الجماع دون غيره.
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : اصنعوا كل شيء إلا الجماع وجعلوا قوله صلى الله لك ما فوق الإزار ، خاص بالسائل، عم حكيم بن حزام، فلا يخصص عموم الأحاديث الأخرى فعند الحنابلة إذاً، يجوز للرجل الاستمتاع بما بين السرة والركبة من زوجته حال المحيض دون حائل عدا الوطء[7].
وبعض الشافعية يفصلون في هذا الأمر، جامعين بين الأحاديث الواردة بقولهم : إن كان المباشرة يضبط نفسه عن الفرج جاز وإلا لم يجز[8].
والثاني للحنفية والمالكية وجمهور الشافعية، وهؤلاء يرون وجوب اعتزال ما بين السرة والركبة( ما تحت الإزار) وتحريم التمتع به سداً للذريعة، ولأن من وقع حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ولظاهر الأحاديث الواردة في ذلك.
منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها" متفق عليه .
ولما رواه زيد بن أسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها".
ولكن متى تحل الزوجة لزوجها:
قال تعالى : (ولا تقربوهن حتى يطهرن ) والطهر انقطاع دم الحيض (فإذا تطهرن) أي فإذا اغتسلن بالماء(فأتوهن من حيث أمركم الله ) أي فجامعوهن في المكان الطاهر من الحيض الذي أمركم وأذن لكم في إتيانه وهو القبل، ولأنه موضع النسل.
وعلى هذا لا يحل وطء الزوجة التي تنتهي حيضتها حتى تتطهر بغسل، أو بتيمم.
وبهذا قال الشافعية والمالكية والحنابلة وزفر من الحنفية.
وجمهور الحنفية على جواز قربها دون غسل إذا انقطع دم الحيض لأكثر مدته وهي عندهم عشرة أيام ولكن يندب لها عندهم أن تغتسل.
وذهب أين حزم في روايته عن عطاء ومجاهد قولهما في الحائض إذا رأت الطهر : فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها[9].